روائع مختارة | واحة الأسرة | فقه الأسرة | لباس المرأة أمام المرأة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > فقه الأسرة > لباس المرأة أمام المرأة


  لباس المرأة أمام المرأة
     عدد مرات المشاهدة: 3780        عدد مرات الإرسال: 0

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد كرم الله الإنسان وميزه عن سائر من على الأرض، وجمّله وكمّله بالدين القويم الذي شرعه على ألسنة رسله عليه السلام، وختمهم بنبينا صلى الله عليه وسلم فختم بما شرعه على لسانه الدين وأكمل النعمة، وجعل شرعه الدين الصالح للبشرية إلى قيام الساعة.

ومن هذا التكريم ما شرعه الله تعالى من اللباس والزينة، الذي يستر به الإنسان جسده، ويجمّل به مظهره، وقد أمتن الله على عباده بهذه النعمة العظيمة، وقرنها بالتقوى التي بها صلاح الإنسان في معاشه ومعاده فقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:26]

قال ابن القيم رحمه الله: جمع بين الزينتين: زينة البدن باللباس، وزينة القلب بالتقوى، زينة الظاهر والباطن، وكمال الظاهر والباطن -إغاثة اللهفان:1/58.

فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فمن شعور تقوى الله والحياء منه ينبثق الشعور بإستقباح عري الجسد والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه، لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري....العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوءات!

والله يُذكر بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس والستر، صيانة لإنسانيتهم من أن تتدهور إلى عرف البهائم! وفي تمكينهم منه بما يسر لهم من الوسائل. -في ظلال القرآن، بتصرف:3/211.

ولما كان كمال الإنسان بالستر واللباس وهو ضروري لحياته ضمنه الله لآدم عليه السلام في الجنة حينما أدخله إليها مقروناً بضمان ضروريات الحياة: الشبع والرئ والظل فقال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى*وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه:118-119]، قال الزمخشري: وهذه الأربعة هي الأقطاب التي يدور عليها كفاف الإنسان، فذكره إستجماعها له في الجنة، وأنه مكفي لا يحتاج إلى كفاية كاف، ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا، وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعري والظمأ والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها -تفسير الكشاف:3/93.

وقد سعى أعداء الدين بشتى أصنافهم إلى تميع معنى اللباس الشرعي المبني على الحياء والستر، والدعوة إلى العري والتفسخ، وتشجيع الموضة والأزياء، وإتباع الغرب وتقليدهم، متبعين في ذلك إمامهم الأكبر الشيطان الرجيم، الذي كان من وسوسته لأبينا آدم وأمنا حواء أن نُزع لباسهما وبدت سوأتهما، كما قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف:20]

فكل دعوة للعري ليست إلا إتباعاً لإبليس، وسيراً على مذهبه في نزع اللباس وظهور السوءات.

واللباس والستر من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالتعري كثر أو قل مما يستهجنه أهل الفطر السليمة والعقول المستقيمة، ثم هو شريعة أنزله الله للبشر، وأقدرهم على تنفيذها بما سخر لهم في الأرض من مقدرات وأرزاق.

وعلى ذلك فاللباس والستر في الأصل راجع في أحكامه إلى ضوابط الشرع، وحدوده، لا إلى إصطلاح الناس وعرفهم وعاداتهم.

فمتى خالفت عادات الناس أو أعرافهم ما يقتضيه شرع الله وحكمه وجب الرجوع إلى شرع الله وحكمه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] وإلا وقعنا في فتنة إبليسيه كما وقع لأبينا آدم عليه السلام حينما ترك أمر الله وأطاع أمر الشيطان في الأكل من الشجرة، فكان سبباً لنزع لباسه وظهور سوءته ونزوله من الجنة قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:27].

واليوم أصبحنا مع الأسف نسمع عن ظهور النساء في مجتمعاتهن بملابس تخالف شرع الله، وهي للعري أقرب منها للستر، تقوم على إتباع الموضة الوافدة من الغرب الكافر، بل وعلى تقليد من يرونهم عبر القنوات، من الفاسقات، إن لم يكن من الكافرات.

ولا شك أن في هذا الأمر هدم للحياء، وتهديد لصرح العفاف، ويكفي أنه مخالف لشرع الله ومجانب لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

لذلك كان من الواجب على من أقدره الله بيان حكم الله في مسألة لباس المرأة أمام المرأة، تبياناً للحق بدليله، وإرشاداً ونصحاً للأمة، والذي أوجبه الله على كل أحد من المسلمين حسب قدرته.

فأحببت أن أُسهم في هذا الموضوع بسهمٍ بلاغاً، وتذكيراً لمن يصل إليه عسى أن ينتفع به.

ورأيت أن يكون الكلام في هذه المسألة في فقرتين:

في حد عورة المرأة أمام المرأة.

في بيان ضوابط لباس المرأة المسلمة، وما يجوز لها أن تلبسه وما لا يجوز.

الفقرة الأولى: حد عورة المرأة أمام المرأة وأمام محارمها:

بين الله في كتابه حد عورة المرأة أمام المرأة وأمام محارمها في قوله تعالى: {.. وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء.......} [النور:31]

الزينة زينتان:

الأولى: الزينة الخفية، وهي مواضع الزينة كموضع القرط والخلخال والأسورة والقلائد.

الثانية: الزينة الظاهرة، وهي الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها أثناء الخروج، كالعباءة في زماننا.

روى ابن جرير رحمه الله عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الزينة زينتان: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي: الخَلْخَالان والقرطان والسواران -تفسير الطبري:19/155، ط.أحمد شاكر.

قال ابن كثير رحمه الله يعني: على ما كان يتعاناه نساء العرب، من المِقْنعة التي تُجَلِّل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. وبقول ابن مسعود: قال الحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النَّخَعي -تفسير ابن كثير:6/45، ط.دار طيبة.

وأستدل ابن مسعود على ذلك بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] -انظر تفسير البغوي:6 / 34.

فالزينة الأولى: هي التي يجوز لها أن تبديها أمام محارمها وأمام النساء، وهي ما تظهر غالباً، ولا يمكن التحفظ منها أثناء الحركة كالرأس والشعر والرقبة والنحر، والذراعين، وأسافل الساقين، ونحو ذلك.

والزينة الثانية: وهي التي لا يمكن التحفظ منها أثناء الخروج من المنزل، وهي ما يظهر من ثياب المرأة الظاهرة كالعباءة ونحوها.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لابد لها منها، قال: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: الثياب إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها -ص/566.

وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تخرج أمام النساء، أو أمام محارمها بالملابس التي تبدي عورتها، وهي ما زاد عن زينتها الخفية، حيث إن المرأة كلها عورة أمام المرأة وأمام محارمها ألا ما إستثناه الشرع من الزينة التي يجوز لها أن تظهرها أمام محارمها وأمام النساء وهي الزينة الخفية التي أشرت إليها سابقاً.

ودليل ذلك سياق آية النور وفيه أذن الله للمرأة في إبداء زينتها لمحارمها وللنساء في سياق واحد، فدل على أن الزينة التي يجوز للمرأة أن تظهر بها أمام النساء هي الزينة التي يجوز أن تظهر بها أمام محارمها.

قال القاضي عياض رحمه الله: وسائر جسدها على المحارم عورة، ماعدا رأسها وشعرها وذراعيها ومافوق نحرها -إكمال المعلم شرح صحيح مسلم:2 / 101.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «المرأة عورة فإذا خرجت إستشرفها الشيطان» قال الترمذي حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان والدارقطني -انظر فتح الباري لابن رجب: 6 / ص 140.

وفي هذا أن الأصل في المرأة أنها عورة، فيكون الأصل فيها الستر والتغطية، فلا تظهر من جسدها إلا ما دل الدليل على جوازه.

ولا يوجد دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن المرأة يجوز لها أن تتكشف أمام النساء فتظهر مفاتنها كالظهر أو الصدر أو الكتفين أو البطن، أو الساقين، أو نحو ذلك، سواء كان ذلك مستوراً بما يشف عن لون البشرة، أو كان بملابس ضيقة تحدد تفاصيله، فكل ذلك لا يجوز في شرع الله كما يأتي بيانه في الفقرة الثانية بإذن الله.

كما لا يوجد دليل على أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة.

وقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية فتوى في ذلك جاء فيها: وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت، وحال المهنة كما قال تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} الآية، وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ونساء الصحابة، ومن إتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا.

وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو: ما يظهر من المرأة غالبا في البيت، وحال المهنة، ويشق عليها التحرز منه، كإنكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين، وأما التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة -هو أيضا طريق لفتنة المرأة والإفتتان بها من بنات جنسها.. -فتاوى اللجنة الدائمة: 17 / 292.

فإذا تقرر ذلك فلا يجوز للمرأة أن تظهر عورتها أما المرأة وأمام محارمها، من خلال لبسها للملابس العارية والقصيرة، أو البناطيل ونحوها، كما لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة» رواه مسلم، فمتى رأت المسلمة أختها المسلمة وقد لبست هذه الملابس فالواجب عليها نصحها والإنكار عليها، وعدم البقاء في مجلس يجلس فيه نساء قد لبسن مثل هذه الملابس إلا مع غض البصر وحفظ النظر، كما أمر تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...} [النور:31] وغض البصر في مجلس بهذه الصورة من الصعوبة بمكان، فيبقى ترك المجلس واجب على المسلمة، سلامة لدينها ومروءتها.

الفقرة الثانية: ضوابط لباس المرأة المسلمة:

إن الإسلام يعتمد في بناء مجتمعه الصالح قبل كل شيء على الوقاية، كما أنه لا يحارب الدوافع الفطرية بل ينظمها ويضمن لها السلوك القويم.

ومن ذلك تضييق فرص الغواية، وإبعاد عوامل الفتنة، وأخذ الطريق على أسباب التهييج والإثارة، مع إزالة العوائق دون الإشباع الطبيعي بوسائله المشروعة.

ولما كانت العلاقة في غاية القوة بين فنِّ اللباس والزينة، وبين الجاذبية الجنسية في سلوك الإنسان، رتب الإسلام ضوابط للباس الرجل ولباس المرأة، مع إختصاص كل جنس بما يتوافق مع طبيعته، قطعا لأسباب الفتنة، وإبعاداً لوسائل الإثارة، وترشيداً للسلوك القويم لحياة الفرد وسط مجتمعه.

وسأتطرق هنا إلى بيان بعض تلك الضوابط في لباس المرأة المسلمة، كما بينتها نصوص الشريعة وقررها علمائها.

الضابط الأول: أن يكون ساتراً للعورة.

سبق في الفقرة السابقة بيان حد عورة المرأة أمام المرأة، ووجوب سترها، وحرمة نظر المرأة إلى عورة المرأة، وبناء على ذلك فيجب أن يكون لباس المرأة ساتراً لعورتها، ويتحقق ذلك بسلامته من الضيق والرقة، والقصر، وأن يكون ساتراً لجسدها، وبيان ذلك:

ـ الضيق: فلا يكون ضيقاً بحيث يحدد تفاصيل جسمها، وحدود عورتها، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: «ما لك لم تلبس القبطية؟» قلت: كسوتها امرأتي فقال: «مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها» أخرجه أحمد والبيهقي وحسنه الألباني -انظر حجاب المرأة المسلمة:131- قوله: «غِلالة» الغِلالة بكسر الغين المعجمة شعار يلبس تحت الثوب كما في القاموس.

قال مالك رحمه الله: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى النساء عن لبس القباطي. قال ابن رشد في «شرحه»: هي ثياب ضيقة تلتصق بالجسم لضيقها فتبدو ثخانة لابستها من نحافتها، وتبدي ما يستحسن منها، إمتثالاً لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ا.هـ -التحرير والتنوير: 9 / 470.

وأظهر ذلك في زماننا: لبس البنطلون، وقد تكلم علمائنا رحمهم الله على مسألة لبس البنطلون للمرأة، وأفتوا بحرمته لأنه يصف تقاطيع جسم المرأة وأعضاها، كالفخذيين والساقيين وغيرها، سواء كان ذلك أمام المحارم أو أمام النساء أو إذا خرجت من بيتها، لأن المسلمة مأمورة بستر مفاتنها أمام النساء والمحارم على حد سواء، ولا شك أن في لبس البنطلون إظهار لهذه المفاتن، وهي من العورة المأمور بسترها حتى أمام النساء، كما سبق في الفقرة الأولى، وممن أفتي بحرمة لبس البنطلون اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، وكذلك سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وسماحة الشيخ ابن جبرين رحمه الله ومعالي الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وغيرهم -أنظر فتاوى اللجنة الدائمة:17/116 ولقاء الباب المفتوح لقاء رقم 25، موقع الشبكة الإسلامية، وأنظر المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان:3/308، وفتوى الشيخ ابن جبرين ضمن رسالة النخبة من الفتاوى النسائية.

ويدخل في ذلك بل هو أشد حرمة منه ما يسمى بـ السترتش، الهِلاهُب، ونحوها، إلا إذا كانت تحت الملابس الساترة إلى القدمين أو أسافل الساقين.

كما أن الملابس الضيقة مضرة بالجسم كما يقول الدكتور وجيه زين العابدين: إن الملابس الضيقة لا تخلو من أضرار لما قد تسببه من حساسية الجلد والضغط على الأحشاء الداخلية، هذا عدا حساسية النايلون نفسه -انظر مجلة الوعي الإسلامي الكويتية عدد 140 شعبان 1396هـ ص92.

والشريعة تحرم على المسلم كل ما فيه ضرر عليه، كما هو معلوم.

ـ الرقة: فلا يكون رقيقاً وشفافاً، فيشف ما تحته، بحيث يظهر لون البشرة، وذلك لأنه يظهر عورة المرأة المأمورة بسترها، فقد تلبس بعض النساء ملابس واسعة ولكنها شفافة، أو قد تستر جميع جسدها، وتظهر كتفيها ونصف صدرها، أو ساقيها وبعض فخذها من تحت قماش رقيق، أو قد تلبس الملابس الضيقة، التي تفصل تقاسيم جسدها وتلبس من فوقها ملابس شفافة، وكلها في الحرمة سواء، إلا أنه كلما أظهرت من جسدها كلما زاد إثمها.

وهذا هو الذي عليه أهل العلم ومنهم العلامة محمد ابن إبراهيم رحمه الله، وتلميذه سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، ومعالي الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وغيرهم -انظر فتاوى ورسائل ابن إبراهيم:/159، ومجموع فتاوى ابن باز:19/17، والتنبيهات للشيخ الفوزان ص23.

ـ القِصر: فلا يكون قصيراً فلا يستر ساقيها، بل قد يصل الحال ببعض النساء إلى إظهار بعض الفخذين، وهذا اللبس محرم لما فيه من إظهار المرأة لما أمرت بستره من عورتها، وبعضهن قد تتحايل على لبس القصير بلبس السروال الضيق تحته، أو ما يسمى بالهلاهب، أو تلبس جورباً طويلاً، أو بوتاً طويلاً إلى ركبتيها، وكل هذا لا يحلل لها لبس القصير، لأنه لا يؤمن معه ظهور شيء من ساقيها أو فخذيها، بل حتى لو لبست تحته البنطلون، فلا يزال المحذور قائماً لآن لبس البنطلون كما سبق تقريره محرم، ولا يتحقق بلبسه الستر الواجب، ثم أن من النساء من كانت تلبس مع القصير البنطلون، ثم تخطي بها إبليس إلى لبس السروال الضيق والقصير تحته، ثم إلى لبس الهلاهب، حتى وصل بها إلى لبس القصير بدون ساتر تحته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:21]

ـ أن يكون ساتراً لجسمها، فلا يكون به فتحات، أو يكون مشقوقاً من أسفله، أو علاقياً يظهر يديها وكتفيها، وبعض صدرها وظهرها، فقد تلبس المرأة الفستان الطويل، ولكنه مشقوق إلى أعلى فخذها، أو يكون به فتحة تبين بعض جسدها كظهرها، أو بطنها وسرتها، أو نحو ذلك، ومع الأسف أن كثيراً من النساء اليوم لو سترت أسفل بدنها بثوب طويل، إلا أنه لا يستر أعلى بدنها، فيكون معلقاً على كتفيها بخيط رقيق، وقد أظهرت صدرها وظهرها، وكتفيها وذراعيها، وكل هذه من المفاتن التي لا يجوز لها كشفه لأنه من العورة المأمور بسترها كما سبق تقريره.

وقد دل على هذه الضوابط جميعها قوله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما.....و نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»، رواه مسلم.

والشاهد في هذا الحديث هنا هو قوله صلى الله عليه وسلم: «نساء كاسيات عاريات» إذ يدخل في هذا الذم والوعيد كل امرأة تلبس الملابس العارية والضيقة والشفافة، لأنها كاسية في الظاهر بما عليها من ملابس، ولكنها في الحقيقة ونظر الشرع عارية، لأن ملابسها لا تستر القدر الواجب عليها ستره، حتى إن من يلبس هذه الملابس يسميها ملابس عارية فطابق الاسم الحقيقة والله المستعان.

ووصفهن صلى الله عليه وسلم هنا بكونهن يكتسين، فذكر الكسوة ولم يذكر العري الفاضح، قال أهل العلم: لأن الدعوة للشهوة والحرام بالملبوس الشفاف أبلغ من العري، فإنه إذا قورن بين النظر إلى المرأة وهي عارية، والنظر إليها بالملابس الشفافة والقصيرة كانت الفتنة برؤيتها وهي تلبس الشفاف والقصير أبلغ من الفتنة برؤيتها وهي عارية، وإن كان الكل محظوراً، لأن من طبيعة النفس أن تتشوف لما أخفي عنها، فتحد النظر إليه، وتزيد التأمل فيه حتى يحصل الإفتتان به.

وهذا كلام أهل العلم من شراح الحديث في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «كاسيات عاريات».

قال القاضي عياض رحمه الله: فيها ثلاثة أوجه:

أحدها: كاسيات من نعم الله تعالى عاريات من الشكر.

الثاني: كاسيات يكشفن بعض جسدهن، ويسبلن الخمر من ورائهن، فتنكشف صدورهن، فهن كاسيات بمنزلة العاريات، إذا كان لا يستر لباسهن جميع أجسادهن.

والثالث: يلبسن ثياباً رقاقا تصف ما تحتها، فهن كاسيات في ظاهر الأمر عاريات في الحقيقة -إكمال المعلم شرح صحيح مسلم:8/193.

و قال الإمام القرطبي رحمه الله: وقوله: «ونساء كاسيات، عاريات» ، قيل في هذا قولان:

أحدهما: أنهن كاسيات بلباس الأثواب الرقاق الرفيعة التي لا تستر منهن حجم عورة، أو تبدي من محاسنها -مع وجود الأثواب الساترة عليها- ما لا يحل لها أن تبديه، كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق.

وثانيهما: أنهنَّ كاسيات من الثياب، عاريات من لباس التقوى، الذي قال الله تعالى فيه: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]

قلت: ولا بُعد في إرادة القدر المشترك بين هذين النوعين، إذ كل واحد منهما عُرِيٌّ، إنَّما يختلفان بالإضافة -المفهم:7/488.

الضابط الثاني= أن لا يكون فيه تشبه:

ويدخل في ذلك مسألتان:

ـ التشبه بالكفار والفساق:

ميز الله المسلم في كل شيء حتى في مظهره وملبسه، لذلك نهاه عن التشبه بالكافر والفاسق، وأمره بمجانبته في كل شيء، قال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» أخرجه أحمد وأبو داود، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر، وحسنه الألباني -انظر شرح المسند لأحمد شاكر: 7/121، إرواء الغليل: 5/109.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الحديث: وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] -اقتضاء الصراط المستقيم:1/237.

قال الصنعاني رحمه الله: والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة-سبل السلام:4/348.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله عن هذا الحديث: وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو هيئة مجموع فتاوى ابن باز -25/ 350.

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين رأى عليه ثوبين معصفرين: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» أخرجه مسلم

فنهاه صلى الله عليه وسلم عن لبسهما لأن في لبسهما تشبُّه بالكفار.

قال أحمد شاكر رحمه الله: هذا الحديث يدل على حرمة التشبه بالكفار في الملبس، وفي الحياة والمظهر، ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا، أعنى حرمة التشبه بالكفار-انظر شرح المسند لأحمد شاكر:10/19.

وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك.

وبهذا يتضح أنه لا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار، ومن ذلك التشبه بهم في ملابسهم، وقد بُلي المسلمون في هذا الزمن بمناظر الكفار ومُشاهدتهم في منازلهم، عبر القنوات وما تبثه من أفلام ومسلسلات، وعروض للأزياء، وكذلك ما ينشر في المجلات وما فيها من أزياء مستهجنة، وكلها مع الأسف من الملابس التي لا تخلو من حرمة وخدش للحياء، ويكفي أن الذي يروج لها ويلبسها ممن من ليس لهم في الآخرة من خلاق، ولم يتربوا على الحياء والأخلاق.

وضابط التشبه المنهي عنه بالكفار في الملابس: أن تكون من خصائصهم، أو مما تميزوا به عن غيرهم، أما إذا كان اللباس مما يشترك في لبسه المسلمون والكفار، ولم يكن محرماً في ديننا بنص خاص به كلبس الحرير للرجال، أو الملابس العارية للنساء فلا بأس به -انظر فتاوى اللجنة الدائمة 2/429 ومجموع فتاوى ابن باز 25/350، والمجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 3/103 وغيرها.

أما إذا كان اللباس محرماً في ديننا فلا يجوز لبسه حتى لو إشتهر لبسه بين المسلمين، وأصبح من عاداتهم، لأن العرف والعادة لا تحلل ما حرمه الله.

ومع الأسف أن كثيراً ممن يلبس الملابس المحرمة، يستدل بجواز لبسها بعرف الناس وعادتهم، ويقول كل الناس تلبس هذا، وليس في هذا حجة لأن فعل الناس لأمر ولو إنتشر بينهم لا يحلله، فالتحليل والتحريم حق لله وحده، ربطه سبحانه بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولا نستطيع أن نقول أن هذا اللباس المعين حرام لأن فيه تشبه، لكن تحرص المسلمة عند إختيارها لملابسها أو ملابس أولادها أن تكون بعيدة عن ملابس أهل الكفر والفسق، كالمغنيات والممثلات، ونحوهن ممن يظهرن في القنوات والمجلات، وأن تكون من الملابس المحتشمة التي تتشبه فيها بالفاضلات والصالحات، وأن ترتفع بذوقها أن تكون إمعة كلما رأت أزياء إتبعتها بدون نظر ولا حذر، وإنما همها أن تكون متميزة ولو كانت إمعة، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتباع وتقليد اليهود والنصارى في قوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن» متفق عليه، وهذا خبر في سياق الذم والتحذير.

ثم إن المشابهة للكفار والفساق في الملبس والمظهر الخارجي يوجب المودة والمشابهة في الباطن، ويُحبب أهل الكفر والفسق وأعمالهم إلى من تشبه بهم في مظهرهم وملبسهم، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر محسوس ومشاهد، قال ابن تيمية رحمه الله: المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبا وتشابها في الأخلاق والأعمال ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار ومشابهة الأعاجم ومشابهة الأعراب -مجموع الفتاوى:22/154.

وهذا من علة النهي عن التشبه بهم، لذا يجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من كل فعل يؤدي به إلى موادة الكفار ومشاكلتهم في أخلاقهم أو عاداتهم لأن هذا يؤدي به إلى مشابهتهم في عقائدهم وعباداتهم، وقد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22] -انظر لتفصيل ذلك إقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية.

ـ التشبه بالرجال:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» رواه البخاري.

وزاد في لفظ آخر عند البخاري: «أخرجوهم من البيوت» وذلك لأن الإسلام ميز بين الرجل والمرأة، لإختلاف ما بينهما في الطبيعة والصفات والتركيب، قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران:36].

والضابط في ذلك: أن كل ما أختص به الرجال شرعاً أو عرفاً منع منه النساء، فكل ما يتميز به الرجال عن النساء يمنع منه النساء، وهذا ليس خاصاً باللباس وإن كان هو الغالب، إلا أنه يدخل فيه الحركات والكلام ونحو ذلك.

ويعرف إختصاص أحدهما بأمر دون الآخر بأحد أمرين:

1- الشرع: وهو أن ينص الدليل على تخصيص لباس معين لأحدهما كالحرير والذهب للنساء، فهذا لا يجوز لبسه للرجال، للنهي عنه، وكلبس العمامة للرجال، فهي من خصائصهم أخرج الطبراني في الأوسط عن بن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال: هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن» وأخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال السيوطي: إسناده حسن، فلا يجوز للمرأة أن تلبس العمامة، ولا أن تلف على رأسها ما يشبه عمائم الرجال، وفي الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تختمر، فقال: «لَيَّةً لاَ لَيَّتَيْنِ». رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وضعفه الألباني رقم: 4963 في ضعيف الجامع.

قال أهل العلم: أمرها أن تلوي خمارها على رأسها وتديره مرة واحدة لا مرتين، لئلا يشبه إختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا، فيكون ذلك من التشبه المحرم -انظر عون المعبود :11/116، النهاية في غريب الحديث:4/279.

2- العرف: وهو أن يكون العرف السائد في المجتمع أن هذا اللبس خاص بالرجال، فلا يجوز للنساء لبسه، لأن القاعدة -أن العادة محكمة- وليس معنى هذا أن العادة تبيح لبس كل ما تعارف الناس على لبسه، بل هذا مشروط بأن لا يكون فيه نص بحرمة لبسه، لأنه لا إعتبار للعرف إذا صادم النص كما هو مقرر في قواعد الشريعة، ومثال ذلك أن يكون من العرف أن يلبس النساء البنطلون، فهذا العرف لا يُجّوِز لبس البنطلون للنساء لأنه محرم كما سبق بيانه، لعدم تحقيقه للستر اللازم في حق المرأة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه على مسالة تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء: ... وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه، ويعتادونه، فإنه لو كان كذلك، لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان، وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة، ونحو ذلك أن يكون هذا سائغًا. وهذا خلاف النص والإجماع -مجموع الفتاوى:22/146.

وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تلبس الملابس التي فيها تشبه بالرجال سواء بالكلية كأن تلبس ثوب رجلٍٍ، أو كان في بعض تفاصيله كأن تجعل ضمن ملابسها ما يشبه لباس الرجل، فتلبس ثوباً بجيبين عن اليمن والشمال، وتجعل تفصيله كثوب الرجل، أو تلبس قميصاً يشبه في تفصيله وتقاسيمه، قُمص الرجال، وقس على ذلك، وليس النهي خاصاً بالثياب والملابس، بل يدخل في ذلك الساعات، والحقائب والأحذية وغيرها، ومع الأسف أنك أصبحت تذهب إلى السوق وتنظر إلى المعروضات من ملابس وغيرها، فلا تفرق بين ملبوس الذكر والأنثى، وخاصة في ملابس الأطفال، وفي الأحذية، بل قد تجزم أن هذه الحذاء للرجال، فتفاجاء أنه معروض للنساء ومن ملبوساتهن، عن أبي مليكة رحمه الله قال قيل لعائشة رضي الله عنها: أن المرأة تلبس النعل فقالت: لعن رسوا الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء رواه أبو داود. -وهي يريد النعل الخاص بالرجال.

فينبغي الحذر من أن تقع المسلمة في اللعنة أو توجبها لإبنتها أو ابنها، وذلك بأن تلبس هي أو تلبسهم ملابس فيها تشبه.

وقد عدّ كثير من أهل العلم تشبُّه النّساء بالرّجال، وتشبه الرجال بالنساء كبيرة من الكبائر كالذّهبي والهيتمي رحمهم الله، -انظر  الكبائر  للذهبي ص134 الكبيرة: الثالثة والثلاثون و الزواجر  للهيتمي 1/404 الكبيرة: السابعة بعد المائة.

ومع الأسف أنك أصبحت ترى في بعض الأحيان الولد وأخته فلا تفرق بين ملابسهم، وقد يعتذر الأب بأنهم صغار وليس في هذا عذر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتكلم عن مسألة لباس الصبيان للحرير: لا يجوز فإن ما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير، فإنه يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويضربه عليها إذا بلغ عشراً، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات؟ وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صبي للزبير ثوباً من حرير فمزقه وقال: لا تلبسوهم الحرير وكذلك ابن مسعود مزق ثوب حرير كان على أبنه -مجموع الفتاوى:22/143.

ومن أكثر ما هو منتشر في مجتمع النساء في عصرنا الحاضر وذكر العلماء أن فيه تشبه بالرجال، لبس البنطلون، وقد سبق في الفقرة السابقة أن لبسه لا يحقق الستر الواجب للمرأة، فلذلك حرمه العلماء، وكذلك حُرم لأن فيه تشبه بالرجال، فهو من خصائصهم، ولم يعرف في مجتمع نسائنا، وليس هو من ملابسهن، وممن نص على أن لبس البنطلون للمرأة فيه تشبه بالرجال: الشيخ ابن باز رحمه الله، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وغيرهما، واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية -انظر فتاوى اللجنة الدائمة 17/102، ولقاء الباب المفتوح لقاء 56، موقع الشبكة الإسلامية.

ومما يدخل في التشبه بالرجال في اللباس، أن تلبس المرأة الأبيض الخالص، لأنه في مجتمعنا أصبح من غالب ملابس الرجال، فتتجنبه المسلمة حذراً من أن تقع في هذا الذنب الكبير.

الضابط الثالث: أن لا يكون محرماً لذاته أو لمعنى فيه:

ويدخل في هذا: لباس الشهرة، ولبس الملابس المحرمة كلبس جلد الميتة، والملابس التي فيها صور، أو كتابات سيئة، وإليك التفصيل:

ـ لباس الشهرة:

وهو كل لباس قصد به لابسه التميز عن عامة الناس في مجتمعه، وأصبح مشهوراً يشار إليه، سواء كان ذلك في لونه أو في شكله أو في نوعه أو في نفاسته أو خسته -انظر الفروع لابن مفلح:1 /345، وكشاف القناع:1/378.

وقد حرم الشرع لباس الشهرة لما فيه من التميز عن الناس والتفاخر عليهم ومن أدلة تحريمه: قال تعالى: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:37]

قال ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك، بل يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده. كما ثبت في الصحيح: «بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم، وعليه بُرْدَان يتبختر فيهما، إذ خُسِف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة» رواه البخاري -انظر تفسير ابن كثير: 5 / 75.

ولباس الشهرة فيه من الخيلاء والكبر والإعجاب بالنفس ما لا يخفى.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من لبس لباس شهرة في الدنيا البسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا» رواه أبو داود، وابن ماجة، واحمد وحسنه محققوا المسند، وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص:213.

وهذا الحديث يدل على تحريم لباس الشهرة لترتب الوعيد الشديد على لابسه، وإنما كان ذلك جزائه يوم القيامة لأنه إنما لبس ثوب الشهرة في الدنيا ليُعَز به، ويفتخر على غيره، فناسب أن يُلبِسهُ الله تعالى يوم القيامة ثوب مذلة واحتقار عقوبة له، والجزاء من جنس العمل انظر زاد المعاد لابن القيم:1/145.

ويدخل في لباس الشهرة كل ملبوس من ثوب وغيره كالساعة والحقيبة وغيرها، مما يُميّز به لابسه، لحصول الشهرة بذلك.

وضابطه: أن يلبس الشخص خلاف لبسه المعتاد، أو خلاف زى بلده لقصد التميز عن الناس والإشتهار بينهم، كأن تلبس المرأة موديلاً جاءت به من الشرق أو الغرب، ليس معروفاً في مجتمعها، لتتميز به عن بنات مجتمعها وحتى تصبح حديث المجالس، وما أكثر هذا في مجتمع النساء، بل أصبح همّ بعضهن إن لم يكن أكثرهن حين تلبس أن يكون ملبوسها متميزاً غريباً جديداً على مجتمعها، أكثر من أن يكون همها جمال ملبسها، حتى قد تخلط الألوان وتلبس الممزق، أو الملابس التي تشبه المقلوبة، كل ذلك حتى تصبح مشتهرة في مجتمعها، لغرابة لبسها وشكله والكل يقول أنظروا إلى لبس فلانة.

ويدخل كذلك في لباس الشهرة أن تشتري الملابس من الأماكن المشهورة والباهظة السعر، لا لجودتها أو جمالها، ولكن حتى يقال أنها لا تلبس إلا ماركة كذا وكذا، ولا تشتري إلا من الأسواق العالمية.

وليس معنى هذا النهي عن لبس الجديد والجميل أو الجيد، بل من السنة لبس أحسن الثياب وأجملها، بشرط أن لا تكون مخالفة للشريعة، ولا تكون متميزة عن لباس المجتمع طلباً للاشتهار فيه، بل حتى لو لبست الرخيص والردئ بنية التميز بين الناس والاشتهار بالفقر أو الزهد أو نحو ذلك، لكان لباس شهرة يشمله النهى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وتكره الشهرة من الثياب، وهو المرتفع الخارج عن العادة، والمنخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين، المرتفع والمنخفض -الفتاوى: 22/183.

ـ الملابس المصنوعة من جلود الحيوانات:

من نعم الله علينا أن سخر لنا من مخلوقاته ما نستعين به على قضاء حوائجنا في الدنيا، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية:13]

ومن ذلك جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل:80]

قال ابن كثير رحمه الله:  {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} أي: الغنم، {وَأَوْبَارِهَا} أي: الإبل، {وَأَشْعَارِهَا} أي: المعز -والضمير عائد على الأنعام- {أَثَاثًا} أي: تتخذون منه أثاثا، وهو المال، وقيل: المتاع. وقيل: الثياب والصحيح أعم من هذا كله -انظر تفسير ابن كثير: 4/591.

وقد فصل أهل العلم في الأحكام المتعلقة بجلود الحيوانات وأشعارها وأوبارها وجعلوا ذلك في قسمين:

القسم الأول: ما كان من حيوان مأكول اللحم.

ويدخل في ذلك الحيوانات المأكولة اللحم، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم وهي المستأنسة، أو كانت من غيرها وهي الصيد المتوحش كالغزلان والظباء وتيس الجبل وحمار الوحش، ونحو ذلك.

فهذه جلدها بعد الدبغ طاهر، يجوز الإنتفاع به في الملابس وغيرها، فلا حرج أن تتخذ المرأة أو الرجل ساعة أو حقيبة أو حذاء مصنوعة من جلد الغزال أو الجمل، أو نحوها، فإن كل ما كان مصنوعاً من جلد مأكول اللحم إذا دبغ، فهو طاهر والانتفاع به جائز والحمد لله، لما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه سلم مر على شاة ميتة، فقال صلى الله عليه سلم: «هلا إنتفعتم بإهابها» يعني بجلدها، قالوا يا رسول الله: إنها ميتة، فقال صلى الله عليه سلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» وفي رواية: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر» أي إذا دبغ الجلد فقد طهر.

القسم الثاني: ما كان من غير مأكول اللحم.

ويدخل في هذا جلد الخنزير، وجلود السباع، كالنمور والثعالب، وجلود الحيات، وغيرها مما حرم الله أكله.

فهذه لا يجوز الإنتفاع بها مطلقاً لأنها نجسة، ولا تطهر بالدباغ عند جمهور العلماء، والنجس لا يجوز الإنتفاع به، لا في اللبس ولا غيره.

فلو دبغ جلد خنزير، أو دبغ جلد أسد أو نمر، ونحوهم، فإنه لا يحكم بطهارته، ولا يحل الإنتفاع به.

وعلى هذا فالملابس والحقائب والأحذية والأثاث وغيرها، مما يصنع من جلود الحيوانات غير مأكولة اللحم، لا يجوز استخدامها، في اللبس ولا غيره، فلا يجوز للمرأة أن تلبس حذاء مصنوعاً من جلد النمر، أو حقيبة مصنوعة من جلود الحيات، أو أن تلبس معطفا مصنوعاً من فرو الثعالب، وقس على ذلك.

كما لا يجوز بيع وشراء ما كان مصنوعاً من هذه الجلود، لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه لما في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: إن الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام، وجلود هذه الحيوانات تعتبر من جلود الميتة، فيشملها الحديث.

ـ الملابس التي عليها صور أو رسومات وكتابات محرمة:

التصوير ورسم ذوات الأرواح مما حرمه الله فعن ابن عباس رضي الله عنهما وجاءه رجل فقال: إني أصور هذه التصاوير فأفتني فيها، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم فإن كنت لابد فاعلا فاجعل الشجر وما لا نفس له، متفق عليه.

قال الإمام النووي رحمه الله: وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان، وأنه غليظ التحريم، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته، ولا التكسب به -شرح النووي على مسلم:14 / 91.

و يدل قوله صلى الله عليه سلم «بكل صورة صورها» أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب وبين ما له جرم مستقل، ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه سلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله.

فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور على الثياب والستر، والمستقل لأن اسم الصورة صادق على الكل، إذ هي كما في كتب اللغة الشكل، ويقال لما كان منها مطبوعاً على الثياب شكلاً -انظر نيل الأوطار بتصرف يسير: 2/100.

وعلى ذلك لا يجوز للمرأة ولا الرجل ولا الطفل أن يلبس الملابس التي عليها صور لذوات الأرواح، ويزيد الأمر سواء إذا كانت صوراً للكفار أو الفسقة، لما فيها من التعظيم لهم، وقد أذلهم الله، ويصبح الأمر أشد حرمة إذا كانت هذه الصور برسم اليد، وليست صوراً حقيقية، لما فيه من المضاهاة لخلق الله، والله المستعان.

وقد أمر النبي صلى الله عليه سلم بطمس الصور لا بلبسها ورفعها على الصدور، فقال صلى الله عليه سلم كما في مسلم: «لا تدع صورة إلا طمستها».

ومن نظر إلى كثير من ملابس الناس اليوم، وخاصة ملابس الأطفال، وجدها لا تخلو في الغالب من صور ذوات الأرواح، وهذا على أنه محرم كما سبق، إلا أنه يحرم صاحبه من بركة الملائكة، ففي البخاري ومسلم من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة»، قال الأمام النووي رحمه الله: أما الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار.

فإذا كانت الصور على الصدور والظهور داخل البيت وخارجه فكيف تدخله الملائكة، ويجد المسلم بركتهم واستغفارهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان ، لأن النبي صلى الله عليه سلم لعن المصورين وأخبر أنهم يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم، وأمر بطمس الصور، ولما رأى عند عائشة رضي الله عنها ستراً فيه صورة غضب وهتكه -فتاوى ابن باز:10 / 416.

و قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا يجوز لبس ما فيه صور سواء كان من لباس الصغار أو من لباس الكبار -انظر كتاب الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة:3/858.

وقال الشيخ الفوزان حفظه الله: لا يجوز شراء الملابس التي فيها صور ورسوم ذوات الأرواح من الآدميين أو البهائم أو الطيور، لأنه يحرم التصوير واستعماله، للأحاديث الصحيحة التي تنهى عن ذلك وتتوعد عليه بأشد الوعيد....فلا يجوز لبس الثوب الذي فيه صورة، ولا يجوز إلباسه الصبي الصغير، والواجب شراء الملابس الخالية من الصور، وهي كثيرة ولله الحمد -المنتقى من فتاوى الفوزان:63 / 5.

أما الشعارات والكتابات غير مفهومة المعنى:

فيجب على المسلمة الحذر منها، لأنها قد تكون شعاراً لوثن يعبد من دون الله، أو لعيد من أعياد الكفار، أو لعبادة من عباداتهم، وأمثلة هذا كثيرة، ومن أظهرها الصليب الذي هو شعار النصارى باختلاف أشكاله وأنواعه، وهي موجود في مواقع النت فحبذا لو اطلع عليها المسلم، وقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أَن النبي صلى الله عليه سلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه، فيجب علينا الحذر عند شراء الأثاث والملابس وغيرها كالحذاء والساعة والحقيبة، أو بعض قطع الذهب والإكسسوارات، أن يكون فيها شيء من صلبان عباد الصليب، والذي لا يألون جهداً في إدخال شعارهم هذا بيننا، ودسه في مقتنياتنا، والمؤمن كيّس فطن.

وأما الكتابات غير مفهومة المعنى المنتشرة على كثير من الملابس، فقد وجد العارفون بلغة القوم أن هذه الكلمات لا تخلو من معاني خبيثة وقبيحة، بل بعضها يدعوا إلى الرذيلة والفاحشة، والعياذ بالله، هذا إن لم تكن لها معاني كفرية أو تدعوا إلى الكفر.

فلا ينبغي للمسلم أن يلبس أو يُلبس أبنائه الملابس التي عليها كتابات أو شعارات لا يعرف معناها، ففي غيرها مندوحة عنها، وليلبس ما خلا من كل شعار أو كلام للكفار وأهله، ولا يرضى أن يرفع المسلم على ظهره وصدره شعارات أو كلمات تدعو إلى كفر أو رذيلة -أنظر كلام سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ذلك: فتاوى المرأة جمع المسند:1/77. ولمعرفة شعارات الكفار وأشكال الصليب، وبعض الكتابات المنتشرة على الملابس مع معانيها، يمكنك مراجعة كتاب لباس الرجل للغامدي: الملاحق في آخر الكتاب.

وختاماً

يقول تعالى: {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ} [البقرة:275]

أخي ولي الأمر وأختي المسلمة: هذا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه سلم في بيان مسألة لباس المرأة المسلمة أمام المرأة، سقته لكم نصحاً وتذكيراً.

وما سقته هنا ليس من إختراع العلماء، أو نتاج تقاليد وعادات، بل هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكلام رسوله صلى الله عليه سلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب:36].

ثم نقلت كلام علمائنا الكبار الذين أصغى الزمان لكلامهم، وانقاد الناس لفتاواهم، وليس الكلام في هذا الباب مما تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان، لأن الله حرم العُري وأمر بالستر، في أول الزمان وأخره، والمرأة هي المرأة في زمن الرسول صلى الله عليه سلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهي المرأة اليوم، فكل حكم يخص سترها، والمحافظة على مروءتها وحيائها ثابت لا يتغير.

فلنحافظ على ثوابتنا، ولنحمى صرح حيائنا، ولنرتقي بأنفسنا عن التقليد والتبعية، ونعلم أنّا أمة قائدة، كتب الله لنا العزة والخيرية، ولكن متى حققنا ديننا في حياتنا على أكمل وجه على ما يريد الله، لا على ما نشتهي نحن، والله أعلم..

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

الكاتب: فيصل بن عبدالله العمري